تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
المجددون فى الإسلام «1»
فى الحديث الشريف «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للمسلمين دينهم»، وعلى مدى التاريخ لم يتوقف التجديد إلا فى العصور المظلمة التى عطلت تطور العقول، بينما أدرك المسلمون منذ العصر الأول للإسلام أن هذا الدين فى حقيقته دعوة دائمة لكل العصور، ولكل المجتمعات، ولكل الظروف، وهو دعوة مستمرة لاستخدام العقل فى فهم الدين، وعلى أساس أن الدين جاء أساسا لترقية حياة الإنسان.
لذلك نجد أن التجديد بدأ منذ عهد الخليفة أبى بكر حين طرحت عليه الأحداث أن يتخذ قراره فى أمور لم تكن فى عهد الرسول الكريم، وبعده استمرت مسيرة التجديد على مدى قرون، فليس التجديد جديدا، وقبول الاختلاف فى الفهم والاجتهاد والتسامح بين المختلفين من طبيعة الإسلام، واعتبار اختلافهم رحمة، كل ذلك ليس جديدا، وفقهاء الزمن الأول وضعوا تعريفا للفقه، فقالوا هو العلم بالأحكام الشرعية من أدلة مستنبطة بالرأى أى بالعقل والمنطق ـ وقائم على النظر والتأمل، ومعنى ذلك أن الفقه من نتاج العقل البشرى يمكن إعادة النظر فيه، ومراجعته وفقا لتغير الأحوال والظروف، وهذا ما طالب به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذ بن جبل قبل أن يوفده إلى اليمن للإفتاء حين سأله: ماذا تفعل فى قضية لم تجد حكمها فى كتاب الله؟
فأجاب معاذ: أرجع إلى سنة الرسول فإن لم أجدها أجتهد رأيى ولا آلو، وأقره الرسول على ذلك، أى أن يجتهد برأيه ولايخشى إلا الله وسؤال الرسول يعنى أنه سنجد دائما قضايا يجد المفتى والفقيه أن عليه أن يستخدم العقل، والمنطق ليفصل فيها على أساس ثابت من المبادئ والمقاصد الشرعية.. معنى ذلك أن تجديد الفكر والفقه من حقائق الحياة المتجددة، وهو الاستجابة الطبيعية لتطور الحياة والمجتمع، ولكل مجتمع، ولكل زمان، قضايا ومشكلات لم تكن فى زمان الأقدمين. وكان العلماء الكبار يدركون ذلك منذ البداية، وتتعدد اجتهاداتهم دون أن يكفر أحدهم الآخر، ودون أن يفرض أحدهم رأيا واحدا على الناس جميعا، بل إن واحدا من كبار الفقهاء (نجم الدين الطوقى الحنبلي) قال: إذا تعارض النص مع المصلحة قدمت المصلحة على النص، وعندما قيل له إن ذلك افتئات على النص قال: المصلحة أقوى أدلة المشرع الحكيم، وهذا ليس اجتهادا يعارض النص، بل هو اجتهاد فى فهم النص.
ولابد أن يراعى الفكر الدينى ظروف المسلمين فى مجتمعات غير اسلامية تختلف فى درجة التحضر والتقدم عن المجتمعات الإسلامية التقليدية، وتجد لهم قضايا يطلبون رأى الدين فيها.. المشكلة ظهرت بعد ظهور جماعات التشدد، فأصبح واجبا توضيح حقيقة الإسلام فى تأكيد الحرية الدينية، والكرامة الإنسانية، وكان الداعية الراحل خالد محمد خالد يقول إن الاسلام كالمصباح يمكن أن نشعل به حريقا، ويمكن أن نضيء به الظلام، وهذا ما رأيناه فعلا حين ظنت جماعة الإخوان أنها وصلت إلى «التمكين» فأشعلت الحرائق، واستباحت الدماء، ودمغت كل من يخالفها بالكفر والخروج على الشريعة، وأثارت الفتن والفساد على نحو ما شاهدناه وماتحملناه من المعاناة والخراب.. وهذا شيء يدعو للدهشة، أولا لأن فكر هذه الجماعة مخالف للمبدأ الذى أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وثانيا: لايمكن تصور أن الله بعث دينا لهداية البشر، وإصلاح دنياهم فيستخدم هذا الدين فى القتل والحرق، والدين الذى أنزل لتوحيد المؤمنين، «وأن هذه أمتكم أمة واحدة» فتأتى هذه الجماعة للتفريق بإثارة الفتن فى المجتمع.
الإسلام يفرق بين ماهو إلهى وبين ما هو بشرى، وما أحدثته الجماعات المارقة من تخريب فى بعض العقول يفرض العمل على إعادة بناء العقل، وإعادة بناء المجتمع الإسلامى لكى يعود التفكير العقلانى الذى يرفض الخلط الذى شوهت به هذه الجماعات الإسلام، والمسلمين بأن جعلت الدين والسياسة شيئا واحدا، وادعت أن انفرادها بالحكم، واستبدادها وعنفها هو صحيح الدين. عصور الإسلام الزاهرة ازدهرت لأن العقل فيها كان سائدا، وحرية التفكير كانت متاحة، والتسليم كاملا بحق من يملك أدوات التفسير والاجتهاد فى أن يفسر، ويجتهد دون أن يلزم غيره بما يصل إليه تفكيره، وهذا ما جعل مفكرا إسلاميا عظيما مثل ابن القيم يقول إن الذى يفتى للناس على اختلاف أمكنتهم وأزمانهم بما يجده فى الكتب هو عالم ضال مضل مثله كالطبيب الذى يداوى الناس جميعا بدواء واحد وجده فى الكتب (إعلام الموقعين). ويمتد الخلط إلى اعتبار الجماعات والحركات الإسلامية الأصولية القائمة اليوم كيانات دينية، بينما هى حركات ترفع شعار الدين لتحقيق أهداف سياسية طمعا فى الاستبداد بالحكم.. أو تنفيذا لمخطط قوى كبرى تريد فرض الجهل والفوضى والفساد لكى تحقق مصالحها وسيطرتها. والفوضى فى الفكر الإسلامى ازدادت مع تحول بعض فرق التصوف من الممارسات الروحية الرشيدة إلى خليط من الخرافات والأساطير، وتغييب العقل، وعلى الجانب الآخر ظهور جماعات التكفير.. وهذا هو المرض الخطير الذى أصاب الفكر الإسلامى كما جاء فى بيان الأزهر الشريف، وقال إنه يكاد يفتك بالأمة، ومع التكفير جاء الإرهاب الذى يتنكر لأمر الله سبحانه وتعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن) ويخالف دعوة الرسول (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) والرسول يشير إلى «الناس» مسلمين وغير مسلمين وليس إلى المسلمين وحدهم.. ويضاف إلى كل ذلك «التعصب» الذى نشأ من جمود العقل. نحتاج إلى عملية فرز كبرى للأفكار والكتب والفتاوى للتفرقة بين ماصدر منها فى عصر الخلفاء الراشدين. وما صدر فى عصر الجمود، ومن نتائج الدراسات النفسية أن من الفروق بين الذكاء والغباء أن قليل الحظ من الذكاء يتمسك برأيه ولايتنازل عنه مهما كان فيه من ضلال وانحراف عن الصواب، ولايسمع لرأى يخالفه، واعتبار كل من له رأى آخر إنسانا منحرفا.. وكأن الحياة توقفت والعقل توقف.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية