تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. خالد محسن > "أم العلوم".. ظالمة أم مظلومة !!

"أم العلوم".. ظالمة أم مظلومة !!

١١:٢٨ ٢٨-٠٨-٢٠٢٤

د. خالد محسن

كتاب الجمهورية

text to speech
  • ٠

    تعليق

  • ٠

    إعجاب

كما اعتبر العلماء"الجغرافيا" أما للحقائق، ستظل "الفلسفة"، أما للعلوم انطلاقا من دورها التاريخي والمحوري في خدمة المجتمع البشري وتحجيم شطحات العلوم الطبيعية والتجريبية وضبط إيقاعها وإبقائها في دائرة النفع والإفادة لأبناء المعمورة في إطار قيمي إنساني يتسم بالرشد والإتزان.

وبين عشية وضحاها أمست دراسة "الفلسفة" والعلوم المرتبطة بها في مرمي السهام، وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد..
وفي واقع الأمر، ووفقا لحوادث وحقائق التاريخ، فإن توجيه النقد الحاد للفلسفة قضية مفتعلة لا أساس لها، يستخدمها "البعض" لتبرير سياسات ما، أو خدمة لتوجهات رأسمالية ومادية بحتة!.
وبالنظر لوقائع التاريخ فإن إعدام "سقراط" لم يؤد إلى موت الفلسفة، وسحل "هيباتيا" ،وقتلها في شوارع الأسكندرية لم يؤد إلى القضاء على الفلسفة. 
 ولكن محاولات إقصاء الفلسفة حتى في أشد الدول تمسكا بها الآن مثل فرنسا وانجلترا، لم تفلح في إبعادها عن منظومة التعليم والحياة.
ويكفي الإشارة إلى انتفاضة الفلاسفة في منتصف السبعينيات وما بعدها، حين حاولت الحكومة الفرنسية الحد من تدريس الفلسفة، الأمر الذي أدى إلى غضبة عدد كبير من فلاسفتها، ومنهم "جاك دريدا" و"جيل دولوز" و"آلان باديو"، ونخبة من الفلاسفة، للرد على قرارات الدولة التقنوقراطية، حيث نظموا حركات احتجاجية وندوات، أثمرت العديد من الفعاليات وكتبا وإرثا ثقافيا مثل "الحق في الفلسفة» للفيلسوف  جاك دريدا، "من يخاف من الفلسفة: الحق في الفلسفة 1"، "عيون الجامعة: الحق في الفلسفة 2"، "بيان من أجل الفلسفة"، لـ "آلان باديو"، وغيرها.

وظل هذا الملف معلقا يحوي العديد من علامات الاستفهام حول حقيقة الاتهامات الموجهة للفلسفة وأنصارها ودارسيها.. وهل هي ظالمة أم مظلومة ؟!.

 وظل الخصام محتدما بين أنصار الفكر المادي، وما بين أنصار الفكر الفلسفي وقناعتهم  بأهمية الفلسفة بمختلف فروعها في حياة الإنسان ومن بينها فلسفة العلم والتكنولوجيا.
وتنطلق الفلسفة من دراسة طبيعة الواقع والوجود، ودراسة ما يمكن معرفته والسلوك السوي من السلوك الخاطئ. ومفردة فلسفة مصدرها الإغريقي يعني ''حب الحكمة''.
بالتالي فهي، واحدة من أهم مجالات الفكر الإنساني في تطلعه للوصول إلى معنى الحياة.
وشاء من شاء وأبى من ابي ستظل الفلسفة أما للعلوم وأهم مرتكزات تطويرها بمدارسها المختلفة المثالية، الواقعية، البراجماتية، الفلسفة الوجودية وغيرها.

ويُطلق على الفلسفة لقب "أم العلوم"، ويرجع السبب في ذلك إلى أنّ الفلسفة قائمة في الأصل على أساس المعرفة وتداولها، إلى جانب دراسة وتمحيص المعرفة، ومبادئها، وأشكالها، وطرح الأسئلة بخصوصها، والتحقق من صحتها؛ الأمر الذي أدى لانبثاق العلوم منها، واعتبار أنّ لكل علمٍ من العلوم الموجودة في العالم أصلاً فلسفياً، بالإضافة إلى ذلك، أسست الفلسفة اللبنات الأساسية الأولى لنشأة العلوم، من خلال طرحها الأسئلة التي كانت تحتاج إلى إجابة، عن كل الأشياء تقريبا، ولا سيما ما يتعلق بالحياة، والكون، والوجود، والإنسان.
كما استطاع الفلاسفة عبر المساحة الفكرية الحرة التي منحتهم إياها الفلسفة التوصل لإجاباتٍ، عبروا عنها من منظورٍ فلسفي، وقصدوا من ورائها اكتشاف مسببات وتفاصيل الظواهر التي يشهدونها في هذا العالم، مما ساهم بدوره في نشأة وتطور العلوم المختلفة.

ولو عدنا لتفحص العلاقة بين تطور العلوم والفلسفة سنجد أن كل اكتشافٍ علمي كان يتم التوصل إليه كان بدورهِ يؤثر على الفلسفة، ووجهات النظر الخاصة بها والمُعبرة عن العالم وما يتضمنه من مسائل وقضايا، والأمثلة على صور هذا التأثير لا تعد ولا تحصى.
 وقد شهدت منهجية التفكير التقليدية، التي كانت سائدة بين الناس قديمًا، نهضة بفضل الإنجازات العلمية، التي يرجع الفضل فيها إلى توظيف العقل، وقد ساهمت هذه الإنجازات أيضا في تغيير وجهة النظر السائدة عن العالم وحدود قدرات الإنسان كذلك.
 ومن الأمثلة على هذه الإنجازات العلمية إنجازات "جاليليو" و"إسحاق نيوتن" في مجالي الفيزياء والرياضيات.
وقد أدى وضع "تشارلز داروين" لنظريته المشهورة بنظرية التطور إلى إثارة تساؤلات وأفكار جديدة عن مكانة الإنسان في العالم.
وبالنسبة للكون، فقد أحدثت نظرية مركزية الشمس التي تُنسب إلى "نيكولاس كوبرنيكوس" ثورةً في الفكر الإنساني، أدت إلى خلق نظرة جديدة عن الكون، مختلفةٍ بشكلٍ كاملٍ عمّا كان الناس يعتقدونه من قبل.
ووفقا لحوادث وحقائق التاريخ وفي سياق متصل، فقد غير اكتشاف "ألبرت أينشتاين" للنظرية النسبية من النظرة السائدة حول العلاقة بين الزمان، والمكان، والحركة، والمادة.
وعن تركيب المادة وبُنيتها، فقد أدى وضع "ديميتري مندلييف" للجدول الدوري للعناصر الكيميائية، إلى تعميق الفهم البشري لها، والاستفادة منها في مجال التقدم العلمي.

 وقد كان للفلسفة اليونانية الإسلامية دور مهم في تطور العلوم، حيث أثبت التاريخ أنّ الجيل الأول من الفلاسفة المهتمين بالعلوم ينتمون إلى عصر الحكماء، المعروف بعصر ما قبل "سقراط"، وكان العديد منهم مهتما على وجه التحديد بعلم الفلك، كما كان العلم في وجهة نظرهم الخاصة يتمحور حول المعرفة بالأمور التي تفيد المجتمع، إلى جانب المعرفة بالطبيعة، وما يرتبط بها من ظواهر، ومن أمثلة هؤلاء الفلاسفة:"ديموقريطوس ، هرقليطس، أناكسيماندر، طاليس الملطي، وغيرهم.
 أما الفلاسفة المسلمون، فقد عملوا على إثراء مختلف العلوم بالمعرفة، ومن الأمثلة على إنجازاتهم ما توصل إليه "أبو الريحان البيروني"، الذي كان الفيلسوف الأول في إدراك أهمية الأخطاء في التجارب العلمية، وأن معالجة الأخطاء فيها يمكن فقط عبر تكرار التجارب أكثر من مرة.
وجاء "ابن الهيثم" كأول من وضع المنهج العلمي الحديث لإجراء التجارب، ودعا العلماء إلى تقبل الانتقادات، باعتبار أن الخطأ أمر متوقع ورودهُ في أعمالهم.

وعلاوة علي هذه الأهمية التاريخية وهذا الارتباط والتكامل مع العلوم الطبيعية، فقد ارتبط مفهوم فلسفة العلم ـ في وقتنا الراهن ـ بالبحث عن الجديد النافع الذي لم يكن معلوما من قبل، بغية تحسين الواقع وتطويره، ومن ثم تمنح درجات الدكتوراة في الجامعات المصرية والعالمية ـ ماعدا الطب وبعض العلوم ـ بمسماها الرسمي دكتوراة الفلسفة في علوم كذا..

وفي هذا السياق امتعض عدد كبير من المفكرين وأساتذة الفلسفة من سخرية بعض الإعلاميين من المواد النظرية والفلسفية علي خلفية خلط الأوراق بصورة مستهجنة ، و"التصفيق" و"التهليل" بدون وعي، لقرارات وزير التعليم بتقليص دراسة المواد الفلسفية بالمرحلة الثانوية وقصرها علي الصف الأول الثانوي.
وهي مفارقة تثير علامات الاستفهام حول ماهية المقاصد الحقيقية لهؤلاء المغرضين وحول أهمية دور الإعلام في شرح الحقائق باعتباره أحد أهم منصات الحوار المجتمعي والوطني، دون تحيز أو مجاملة أو تزييف !.

وفي هذا السياق اتفق مع رؤي د.عادل عوض أستاذ المنطق ومناهج البحث ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنصورة والتي فندت أراجيف المشككين، ورصدت أهمية الفلسفة والمنطق في حياة الناس.
يقول د.عادل في تدوينة له: الفلسفة هي فكر المجتمع مركز في مذهب..يعني أن كل المجتمعات يحركها فكر الفلاسفة، أي أن فكر فيلسوف ما يكون بمثابة فكر المجتمع الذي ينتمي إليه.
 علي سبيل المثال. المجتمع الأمريكي حكومة وشعبا يحركه المذهب "البراجماتي" وهو مذهب فلسفي أمريكي أسسه "بيرس، وليم جيمس، ديوي".
 أما المجتمع الفرنسي حكومة وشعبا فتحركه الفلسفة العقلية "فلسفة ديكارت". 
والمجتمع الإنجليزي حكومة وشعبا تحركه الفلسفة "التجريبية" وتعني عدم الإيمان إلا بما هو تجريبي ،وهذا المذهب أسسه "جون لوك ، هيوم، ورسل".
 والخلاصة أن ثقافة وفكر كل مجتمع وراءه فكر فيلسوف.

 وحول أهمية "المنطق" يقول د.عادل: يقاس مدي تقدم الأمم والحضارات بطريقة تفكير أفرادها تفكيرا منطقيا. 
وعلي سبيل المثال كان المنطق "الصوري" أبرز معالم الحضارة اليونانية، كان المنطق "الأصولي" أبرز معالم الحضارة الإسلامية. 
وكان المنهج "العلمي" أبرز معالم بداية  الحضارة الغربية.
 وكان ومازال المنطق "الرياضي" أبرز معالم الحضارة الأوربية المعاصرة التي هي حضارة علمية تقنية في مجملها.

ولا يختلف المنصفون في سائر دول العالم قاطبة ومن بينها أرض الكنانه علي أهمية التطوير المستمر للتعليم لمواكبة العصر واحتياجات سوق العمل التي شهدت تغيرا واسع النطاق بعد تسارع وتيرة عصر التكنولوجيا والتحول الرقمي ونظم وتطبيقات الذكاء الاصطناعي أو الذكاء البديل.
ومن الحكمة أيضا إدراك مدي أهمية المواد التعليمية بشقيها الأدبي والعلمي، وليس هناك مبرر للتقليل من أهمية العلوم الانسانية والاجتماعية في البناء النفسي والوجداني للأجيال القادمة وتوعيتهم بأهمية هذا السياج القيمي والأخلاقي أثناء الاشتباك مع مستجدات وأنشطة الحياة المعاصرة، والتعايش مع  متغيراتها وتقلباتها.

ورغم تصاعد المراء والجدل العقيم حول مستقبل المواد الفلسفية والإنسانية في تقديري أن هذا الوقت الأنسب لتدريس هذه المواد في المراحل التعليمية الأساسية ،ولو بصورة مركزة ومختصرة للإسهام في البناء النفسي والوجداني والتربوي للناشئة ودعم ثقافة التفكير المنطقي والتعلم المبدع وتعزيز قيم الانتماء والولاء للوطن، وللتحصين المبكر من ويلات العصر الرقمي وموجات الزحف المادي المتصاعدة !.

  • ٠

    مشاركة

  • |
  • ٠ إعجاب

  • حفظ

٠ تعليق

هل تريد إضافة تعليق ؟

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية