تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تشعر وكأن قوى خفية لا تريد من مصر أن تخطو سنتيمترا للأمام.
ليست قوى «خارجية» فقط، ولكن «مننا فينا».
رأى عام «معترض» و«متكهرب» و«مقموص» على طول الخط، وبشكل مفتعل، سواء كان ذلك بدافع شخصى، أم هو مزاج عام، أم نتاج «شحن» و«تسخين» و«توليع» و«تضليل» من جهات أخرى تعرف ما تفعله.
لأسباب معينة، تابعت باهتمام، ومنذ أكثر من عام، كل ما أثير حول قضية المناطق الأثرية التى قيل إنه سيتم هدمها أو نقلها من محيط القلعة بالقاهرة، منذ أن كان مشروع تطوير المنطقة مجرد «أفكار»، إلى أن أصبحت الأفكار «ماكيتات» على الورق، ثم أخيرا بدأ التنفيذ.
من الصعب أن تكون رأيا واضحا حول الموضوع، فهناك طرف واحد يتحدث، ويشكو، ويصرخ، ومعهم بعض المهتمين بالآثار والفنون، وكثير من «المنفسنين» وراكبى الأمواج والمتأثرين بـ«التريندات» المتأزمة، وفى المقابل، طرف آخر، يعمل وينفذ على الأرض فى صمت.
«عرب يسار» هو اسم المنطقة سبب الأزمة. مكان عمره أكثر من 700 عام، يقع حاليا فى إطار «حى الخليفة» بالقاهرة، استمد اسمه الغريب هذا من اسم قبيلة جاءت من الحجاز قديما لتعيش أسفل القلعة، وهو الآن عبارة عن منطقة عشوائية شديدة البؤس، وبخاصة الجزء المحيط بكوبرى وميدان السيدة عائشة، ولكن فى محيطه أيضا توجد مواقع أثرية متنوعة، أبرزها القلعة ومسجد الغورى، ومنازل أثرية ومقابر يعود تاريخها إلى قرون مضت، بعضها لشخصيات معروفة، والأكثرية لمجهولين.
مهما تحدثت عن أى جمال وقيمة هذه المنطقة، فإنك لا تستطيع أن تنكر على الإطلاق أنها من أبشع المناطق العشوائية، ليس فى القاهرة وحدها، ولكن ربما على سطح الكرة الأرضية بأكملها، ولهذا، امتدت إليها يد التطوير، لإزالة المنازل والعشوائيات، وتعويض أصحابها، وتحويلها فى النهاية إلى منطقة سياحية وآدمية، فى إطار «إحياء القاهرة التاريخية».
أصحاب الرأى الأول يذرفون الدمع على مقابر تزال، وحرمة أموات تنتهك، وقيمة أثرية وجمالية لا تعوض يتم تدميرها، و«غلابة» يتم تهجيرهم، بينما الجهات القائمة بالتطوير تؤكد أنها تعمل على إزالة عشوائيات قبيحة، ومنازل آيلة للسقوط، ومخالفات بناء ومرافق بالجملة.
وتطور الأمر من متاجرة بالإنسانية، والفنون، والآثار، إلى متاجرة بالدين، فنشر البعض صورا، بعضها حقيقى لبيوت تزال، وبعضها «مفبرك» لمساجد ومآذن تهدم، مع شعارات «الغلابة»، و«حرمة الأموات»، و«إنهم يبيعون مصر»، ووصل الأمر لدرجة صدور فتاوى دينية بعدم جواز الزراعة أو البناء فوق القبور!
بقليل من الصبر والحكمة، وقراءة الأمور بشكل دقيق، بعد الاستماع إلى هذا الرأى وذاك، تستطيع أن تستخلص الحقيقة فيما يحدث.
المسألة كلها «حرب ثقة» فى الدولة المصرية أو ضدها، فى «عرب يسار» وفى غيرها، فالخطة واحدة، واللعبة «هى هى»، ولكن المنفذين مختلفون، فأحيانا متمرسون، وأحيانا مندفعون ومنساقون، فالمطلوب دائما، تصوير الحكومة والجهات الرسمية على أنها «شيطان رجيم» و«عدو للشعب»، هدفها سرقته، والبلطجة عليه، ولا تفهم معنى التخطيط والفنون والآثار والأشجار، على غرار شخصية «حاتم» المشوهة الذى مزق لوحة نادرة فى فيلم «هى فوضى».
ليس مطلوبا أن تنفذ مصر أى مشروع حضرى، ليس مطلوبا أن نخطو خطوة واحدة للأمام، إلا «بطلوع الروح»، دائما أي مشروع «مش وقته»، و«فيه أولويات»، و«الديزاين مش حلو»، وحجج بالعشرات، كل ما هو مطلوب أن يعيش المصريون للأبد فى دولة أشبه بـ«مقلب نفايات» كبير، حدث السيناريو نفسه ويحدث مع قناة السويس، والعاصمة الإدارية، والضبعة، والمدن الجديدة، وتبطين الترع، اخترعوا لكل مشروع عيوب الدنيا، وتكرر الأمر لاحقا، ويتكرر، فى مصر الجديدة، ومدينة نصر، وعين الصيرة، وماسبيرو، والزمالك، وممشى أهل مصر، وفى الإسكندرية، والآن فى «عرب يسار»، وفى النهاية، تمضى الدولة فى طريقها، وتثبت دائما أنها «صح».
بالله عليكم، أين كان المتباكون على «عرب يسار» عندما كانت مرتعا للخارجين على القانون وتجارة المخدرات؟ أين كانوا وأحبال الغسيل وصوانى الطبيخ وبراميل الطرشى وشكمانات السيارات تزين المقابر؟ أين كانوا وأغلفة «تايم» و«نيوزويك» تنشر صور مدافن القاهرة على غلافها الرئيسى تحت عنوان «مدينة الموتى»؟ أين كانوا عندما كان الوقوف فى صلاح سالم لالتقاط صور سكان القبور والعشوائيات فقرة رئيسية فى جولات أوتوبيسات السائحين الأجانب؟ لماذا «نطبل» لمشروعات غيرنا، ونلطم الخدود عندما نحاول القيام بالمثل؟ هل تحديث مصر وتجميل وجهها عمل مكروه إلى هذه الدرجة؟
.. ارتقوا بقى!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية
مشاركة
١ إعجاب
حفظ
هل تريد إضافة تعليق ؟